تجنب الفراغ الداخلي
كلما قلّ الحب لدى الإنسان زاد امتلاكه للأشياء...
فتصبح ممتلكاته بدائل للتعويض عن فجوة المشاعر الموجودة في داخله.
لنوضح الأمر
أكثر... لقد أثبت علماء النفس بأنه عندما يشعر الرضيع بحب والدته فإنه لا
يشرب الكثير من الحليب، هذا لأنه يعلم بأنه عندما يحتاج إليها سيجدها
حاضرة ومستعدة لتشاركه دائماً.. لا يوجد أي سبب للخوف، لذلك سيشرب حاجته
فقط دون أن يأخذ أكثر منها...
في الحقيقة ستكون الأم قلقة دائماً بأن طفلها لا يتغذى جيداً ولكن الطفل قد فهم أنها حاضرة
ويستطيع دائماً أن يعتمد على حبها له...
ولكن إذا لم تكن الأم محبة لطفلها عندها سيصبح خائفاً من المستقبل ومما قد يحصل لاحقاً،
لذلك متى ما وجد فرصة للأكل سيأكل وسيشرب قدر المستطاع....
لقد بدأ الآن يتعلم جمع الأشياء وتخزينها في الجسم فهو خائف لأنه لا يعلم ما قد يحدث في الغد...
لا يمكنه الوثوق والاعتماد على هذه
الأم، لذا عليه أن يدخر للأوقات الصعبة.... وسيكون أول ما يدخره في طفولته
هو الدهون المتراكمة من الأكل الزائد...
ويستمر الأشخاص
الذين لم يشعروا بالحب في طفولتهم بالأكل أكثر من حاجتهم حتى بعد تجاوزهم
مرحلة الطفولة.. ولن تفلح أي حمية في إنقاص أوزانهم ما لم يظهر الحب في
داخلهم....
بل سيستمرون بالأكل لأنه أصبح البديل عن الشيء الأصيل!
هل لاحظت من
قبل؟... متى ما شعرتَ بالحب عميقاً في داخلك فإن الجوع يختفي وتنسى أمر
الأكل تماماً... إن الحب يملأ أعماقك ولذلك تصبح رغبتك بالأكل قليلة جداً.
*******
كان هناك امرأة تقول بأنها تحمل سراً في داخلها منذ سنوات عديدة....
وهو أن ليلة وفاة زوجها وبينما كانت
الجثة مستلقية بجانبها شعرت بجوع شديد ورغبة في أن تذهب للمطبخ وتلتهم
الطعام... ولكن ما الذي سيقوله الناس؟... الكل كان موجوداً من أهل وأقارب
وأصدقاء، ولكنها أيضاً تشعر بجوع عميق في داخلها لم تشعر به في حياتها من
قبل...
ولذا فقد اضطرت
إلى أن تتسلل لمطبخها مثل اللصوص وتأكل في الظلام! ومنذ ذلك الحين وهي
تشعر بالذنب وتقول: "إنه زوجي الذي مات آنذاك... فهل كان الوقت وقت الجوع
والأكل؟ جثته ممددة هناك وأنا في المطبخ آكل مثل اللصوص!"
فما الذي حدث؟؟؟...
الأمر بسيط...
الإنسان الذي كانت تحبه قد مات ولذا شعرت بالفراغ فوراً بعد رحيله... وكأن
فجوة قد انحفرت في داخلها ولا بد لها أن تملأها بأي شيء...
وإذا لاحظت جيداً،
ستجد بأن الناس متى ما شعروا بالحزن ازدادت رغبتهم بالأكل... متى ما كانوا
في تعاسة عميقة شعروا بالجوع أكثر... ولكن متى ما كانوا سعداء يطيرون من
الفرح وتمطرهم المحبة أينما كانوا فإنهم ينسون أمر الأكل تماماً...
كمية قليلة ستكفي لتمدهم بالغذاء... لأن الحب هو غذاؤهم الأساسي...
إن البخيل الذي يحب التملك وجمع الأشياء هو الإنسان الذي يفتقر إلى المحبة...
المحبة الحقيقية... الكامنة في أعماقه....
هي اللغز والكنز والثروة الأغلى والأعلى...
نسينا المحبة وعبدنا المال فوصلنا إلى هذا الحال..