أحباب الله أهل الحلم

الحلم صفة كريمة من صفات الله سبحانه وتعالى جاء في القرآن مقترنا بالعفو والرحمة والمغفرة يقول جل ذكره في سورة البقرة 235 ” واعملوا أن الله غفور حليم ” وفي سورة آل عمران ” عفا الله عنهم إن الله غفور حليم ” 155 ويعني الحلم ضبط النفس عند الغضب والتأني في التعامل مع الآخرين ومقابلة السفه بالإغضاء والإساءة بالعفو والقطيعة بالوصل, والتجاوز عن أخطاء الآخرين لاعن ضعف أو جبن ولكن عن سماحة وكرم أخلاق طلبا لرضوان الله سبحانه وتعالى, يقول تعالى في سورة الفرقان ” وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما ” 63
لذا اعتبر الإسلام الحلم طريقا إلى محبة الله ولرفع درجة المسلم عند ربه, عن عبادة بن الصامت قال رسول الله “ص” ” ألا أنبئكم بما يشرف الله به البنيان ويرفع الدرجات ؟ فقال: نعم يا رسول الله. قال: تحلم على من جهل عليك, وتعفوا عمن ظلمك, وتعطي من حرمك وتصل من قطعك ” فالحلم إذن صفح وأناةَ واحتمال وضبط للنفس عند وجود أسباب محركة للغضب وهو دلالة على كمال العقل للنفس وقدرته وسيطرته على فوره الغضب.
ويتجلى الحلم بالإعراض عن لغو الجاهلين الذين غالبا ما يقود الناس إلى احتكاكات وصدام وشجار بما ينتج عنه من سخرية واستهزاء وبذاءة وفحش فعندما يتعرض الحليم لموقف كهذا فإنه لا يصاب بحالة من الهيجان أو الغيظ ولا يدفعه ذلك أن يقف للسفهاء نداً ويبادلهم سخرية واستهزاء وبذاءة بل يتركهم بأدب وصفح مصداقاً وامتثالاً لقوله تعالى “وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم ” القصص /55 ويبلغ الحلم ذروته عندما يقابل الحلماء الجاهلين بالدعاء لهم بالهداية ” سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين ” القصص /55 إنه الحلم الذي جعل الحليم القادر على الانتقام أن تفيض نفسه سماحة ووداً وحباً للخير وإشفاقاً على الجاهلين لأن الحليم على قدر عظيم من الأدب الرباني الذي يجعله عبداً لله يجزى الغرفة بما صبر ويلقي في الغرفة التحية والسلام يقول تعالى في سورة الفرقان ” أولئك يجزون الغرفة بما صبروا ويلقون فيها تحية وسلاماً ” 75 والحلم الذي يحب الله تعالى أهله من أخلاق الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام الذين عملوا على هداية أقوامهم بكل أناة وهدوء وضبط النفس, فلم يثوروا لأنفسهم على الرغم ما لقوه من أقوامهم من تعذيب واضطهاد وتنكيل وإيذاء بدني ولفظي كاتهامهم بالسحر والجنون والشعوذة بل كانوا يحرصون على هدايتهم وإرشادهم وإنقاذهم من غضب الله وعذابه, وقدوتنا رسول الله ” ص” الذي كان إذا أشتد أذى قومه, وصدهم يدعوا ربه قائلاً ” اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون ” عن أنس رضي الله عنه قال ” كنت أمشي خلف رسول الله ” ص” وعليه برد نجرانيٍ غليظ الحاشية فأدركه أعرابي فجبذه بردائه جبذة شديدة فنظرت إلى صفحة عاتق النبي ” ص” وقد أثرت بها حاشية الرداء من شدة جبذته ثم قال يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك فالتفت إليه وضحك ثم أمر له بعطاء ” وعن عائشة قالت ” ما ضرب رسول الله ” ص” شيئاً قط بيده ولا امرأة ولا خادماً إلا أن يجاهد في سبيل الله وما نيل منه شيء قط فننقم منه صاحبه ” فالحلم مودة ومحبة وتآلف وإزالة للأسباب الخلاف والخصام ويجلب الحلم لصاحبه الثواب العظيم عند الله ” يقول الرسول “ص ” ألا أخبركم بمن يحرم على النار ؟ أو بمن تحرم عيه النار ؟ تحرم على كل قريب هين لين سهل ”